حقـاً قـام
قيامة المسيح من بين الأموات بعد صلبه، ركنٌ هامٌ من أركان العقيدة المسيحية. فالمسيحية بدون الصليب والقيامة، مسيحيةٌ باطلة لا معنى لوجودها.
أولاً: إن من يقرأ الأصحاحات الأولى من سفر أعمال الرسل في العهد الجديد يلاحظ وبوضوح أن حدث القيامة قد تصدّر رسالة الكنيسة الأولى في القرن الميلادي الأول، فصارت القيامة هي الرسالة الرئيسية التي نادت بها الكنيسة من بدء نشأتها بعد قيامة سيدها من القبر.
كما درجت رسائل بولس الرسول والرسالة إلى العبرانيين وغيرها على التحدث عن القيامة بنفس الصورة من الأهمية، حتى يمكن القول أن قيامة المسيح صارت الديناميت الذي فجّر النور في أصقاع الدنيا ونشر البشرى لكل الشعوب. قيامة المسيح هي حياة المسيحي المؤمن الملتزم بمبادئ الإنجيل، وقيامته هي التحدي في وجه الشيطان، عدو الصليب وعدو القيامة.
ثانياً: بعدما صُلب المسيح، دفن قبل غروب الشمس. ولما كان أمر الوالي بالتشديد على حراسة القبر، دحرجوا على باب القبر حجراً كبيراً غطى منافذه، ثم خُتم الحجر بالشمع وأقيم الحراس على مدخله يتناوبون حراسته ليلاً ونهاراً.
ومع بزوغ فجر الأحد جاءت المفاجأة، إذ حضر ملاكان وهبطا على المكان فسطع على الموقع نور بهي أرعب الحراس فسقطوا على الأرض بلا حراك. ودُحرج الحجر عن القبر وقام ربُّ المجد غالباً ودائساً الموت بالموت. ولأن زيارة القبر لا تجوز عند اليهود أيام السبوت اتفقت النسوة على زيارته في فجر الأحد والناس نيام.
وفي الموعد جئن حاملات الحنوط لينثرنه على القبر - عادة متبعة آنذاك مثلما يجري اليوم من نثر الورود على قبور الموتى تكريماً لهم - ووصلت النسوة إلى القبر بعد انبلاج الفجر بقليل، فانذهلن إذ وجدن الحجر قد دُحرج والقبر فارغاً، وبينما هنّ يتلفّتن هنا وهناك في ذهول ظهر لهنّ ملاكٌ وفاجأهنّ بسؤال محير، يقول:
"لماذا تطلبن الحيّ بين الأموات؟.. ليس هو ههنا لكنه قام!"
ما أعجبه من سؤال! هل قلت إنه سؤالٌ محيّر؟
بل الأصح إنه جوابٌ مفرِّح، وحقيقةٌ مبهجة، وبلسمٌ شافٍ، ومصدر العزاء.
إن مجرد طرح السؤال بتلك الطريقة، يثير في النفس العزة بالانتماء لشخص المسيح الحي، الذي غلب الموت!
ومن حينها صارت تحية المسيحيين بعضهم لبعض في عيد القيامة:
المسيح قام! فيرد الآخر: حقاً قام!
عبارةٌ نفخر بها لأن مسيحنا حي، وقائدنا حي. لم يتركنا يتامى بل غاب عنا للحيظاتٍ وعاد.
وحتى قبل صعوده إلى السماء على سحابة المجد وتلاميذه ينظرون، قال لهم وهو أيضاً يقول لنا اليوم: "ها أنا معكم كلّ الأيام إلى انقضاء الدهر." فالشخص الحي وحده يقدر أن يتفوّه بهذا الوعد. إننا نعلم علم اليقين إن مسيحنا حي قد ذهب إلى السماء في مشوار عمل ليهيّئ المنازل لمحبيه وسيأتي ثانية لنجاتهم من ضيقةٍ عظيمةٍ قادمة ستحل بالعالم، نرى بوادرها تلوح في الأفق الآن.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:
لماذا المسيح بالذات يغلب الموت وحده من دون غيره من الرسل والأنبياء؟
أما كفى أنه وُلد بمعجزة؟
وعاش بمعجزة؟
وصنع المعجزات المذهلات بلا حدود؟
هذا السؤال يستدرجنا إلى سؤال آخر هو:
لماذا وُجد الموت؟
ألم يخلق الله الإنسان ليعيش هانئاً سعيداً، بلا معاناةٍ ولا موت ولا دموع؟
أليست الملائكة هكذا دائمة الحياة لا يصيبها عطبٌ ولا موت؟
نجد الإجابة في سفر التكوين حيث وردت كلمة "الموت" لأول مرة في الكتاب المقدس، يقول: "وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها. وأوصى الرب الإله آدم قائلاً من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت." وأكل آدم، وأكلت حواء فصار الموت لهما حكماً وأورثاه لبنيهما.
إذاً، كان الموت نتيجة العصيان ومخالفة الله، ولكن المسيح بارٌ لم يفعل خطية. لأجل ذلك وُلد من عذراء بلا رجل. فعناصر جسده التي نمت في أحشاء العذراء لم تكن من زرع بشر. فزرع البشر كلهم يستحقون الموت، أما المسيح فقد تطوّع من ذاته للموت تكفيراً عن كل من يَقْبَل موته الكفاري. فالبار مات لأجل الفجار، وبموته هذا أكمل الأمانة أو المهمة التي جاء من أجلها، فلم يعد من سبب لبقائه في القبر … لذلك قام.
لم أجد بين الكتب أبلغ وأفصح من عبارةٍ قالها أميرٌ من أمراء المنبر المسيحي، طيّب الذكر الدكتور القس إبراهيم سعيد في مقطع من لوحةٍ أدبية أخال مدادها من ماء الذهب، قال فيها عن المسيح:
"هو الحق خرج من عند الحق، ليقضي على الباطل. فاشتبك الحق مع الباطل في معركةٍ حامية انتهى دورها الأول بصلب الحق. ثم سرعان ما خُذل الباطل وظفر الحق وقام، وإلى الحقّ الذي اشتُقَّ منه عاد."